الجمعة، 8 يونيو 2012

قصة " ما بأيدينا " من كتاب " لعبة الجنس والموت " لــ أحمد رشدى

أين من عينى حبيب ساحر
فيه عز و جلال و حياء
واثق الخطوه يمشى ملكاً
ظالم الحسن شجى الكبرياء
عبق السحر كأنفاس الربا
تائه الطرف كأحلام المساء

حملت وصلات الأثير صوت أم كلثوم لتوزعه بانتظام على أنحاء الحديقه .. و أيضاً على هذا الجالس فى الركن القصى منها … كان يجلس وحده .. منسجما مع الأغنيه .. و سعيداً إلى حد ما … شاب وسيم .. ذو عينين عسليتين و شعر ناعم مصفف بعنايه .. تحتويه تلك الشجره الماثله خلفه بغصونها الوراقه ..و تزفر تلك الورود التى تلف جلسته عبقاً يحمله نسيماً صافياً لا يشوبه شائباً .. و كانت قد جلست لتوها فتاة لا تتعدى العشرين عاماً .. اتخذت الأريكه المقابله له تماماً … كانت فى غاية الجمال .. ذات شعر بنى كثيف و عيون سوداء لامعه .. و شفتان مكتنزتان مطليتان .. لمحها هو بطرف عينه .. أعجبته جداً .. أطال النظر فى عينيها قليلاً … فـ لفّته هاله جميله من اختلاجات قدريه تتوالى و كأنها غاية الحياه … صوت أم كلثوم .. و تلك الورود الهفافه .. و هذا النسائم الجميله الشفافه .. و تلك الأعين الصافيه التى تعكس بلا انبعاج ملامح القلب الرهيف .. باللسعاده .. كان قد أزاح بصره من عينيها خجلاً … و لكنه سرعان ما أعاده إليها من جديد … هذه المره نظرت إلى هى الأخرى ..فاشتبكت عيونهما بجاذبيه غير مفهومه .. أطالا النظر بإعجاب .. هاما فى آفاق رحبه .. و لذة بريئه .. هنا قاطعه النادل قائلاً : 

- ماذا تود أن تشرب؟ 

- عصير برتقال … من فضلك .. 

ذهب صدى صوت النادل من أذنيه .. و تبدل بصوت أم كلثوم .. التى لا تزال تغنى : 

أين منى مجلس أنت به
فتنة تمت ثناء و ثنا
و ها انا حب و قلب و دم
و فراش حائر منك دنا
و من الشوق رسول بيننا
و نديم قدم الكأس لنا 

اهتزت أذناه طرباً .. أما عيناه فعادتا لتلمحان تلك الجميله الجالسه قبالته .. هذه المره تجرأ قليلاً ..فابتسم لها … ردت هى الابتسامه بأخرى مماثله .. ياللسعاده .. حينها ود لو أن ينهض من مكانه محلقاً نحوها … و لكنه مكبل فى مقعده لا يتحرك .. محترق فى ثيابه .. ينظر بإعجاب من حين لآخر و يستمع : 

هل رأى الحب سكارى مثلنا
كم بنينا من خيال حولنا
و مشينا فى طريق مقمر
تثب الفرحة فيه قبلنا
و ضحكنا ضحك طفلين معا
و عدونا فسبقنا ظلنا 

أم كلثوم لا تزال تغنى .. و النظرات لا تزال تتبادل بينهما .. و لكنه ينقصه شيئاً الآن .. و هو أن يبادرها بالتعارف .. فهى كعادة أى أنثى … حياؤها يحول دون ذلك .. أما هو فيتوجب عليه بالفطره ذلك ! و لكنه لا يزال جالساً .. مرت بضع دقائق .. أخذ يرتشف من كوب البرتقال بعد أن أحضره النادل .. و يستمع لأم كلثوم .. و يلقى بالنظره الرتيبه على فاتنته .. وفى خضم تلك الاختلاجات اللذيذه .. قطعه صوت أجش قائلاً …: 

- هيا يا شريف .. السياره فى انتظارك بالخارج 

نظر شريف بحزن للرجل ثم طأطأ رأسه للأسفل و من ثم مد يده ليستند على كتف هذا الرجل .. و ارتمى على كرسى ذى إطارات مخصصاً للمعاقين!! .. كانت قدميه مبتورتين و مبدلتين بأقدام صناعيه تلعن غضب الأقدار !! .. اندهشت الفتاه من هذا المشهد .. و قبل أن يرحل نظر إليها نظره محمله بمزيج من الحزن و الأسى و أيضاً الاشتياق .. و نظرت إليه هى الأخرى بنفس تلك الملامح .. و من ثم أزاح بصره عنها و طأطأ رأسه ناحية الأرض .. ثم ذهب .. فاختطفت أذنيه آخر الأصوات فى الحديقه .. صوت أم كلثوم ..التى لا تزال تغنى :

يا حبيبى كل شىء بقضاء
ما بأيدينا خلقنا تعساء
ربنا تجمعنا أقدارنا ذات يوم بعدما عز اللقاء
فإذا أنكر خلا خله و تلاقينا الغرباء
و مضى كل إلى غايته
لا تقل شئنا فإن الحظ شاء
يا حبيبى كل شىء بقضاء
………….

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق